ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
و أن محمدا عبده و رسوله
ماذا بعد حفظ القرآن ؟!!
يحرص
كثير منا على حفظ القرآن ، و لكن .. كم منا من يحرص على التخلق بأخلاقه و
العمل به ؟ نحن لا نريد نسخا فقط !! ، فالقرآن منهاج حياة المسلم ، فكم من
الذين يحرصون على حفظه يحرصون على إسقاطه على واقعهم ، و كم هم الذين
يتخذونه منهاج حياتهم فعلا ؟؟ . نبينا محمد – عليه الصلاة و السلام – كان
خلقه القرآن ، فهل نتوق نحن لأن نكون كذلك ، أم أن هذا الأمر لا يعنينا ، و
المهم أن نحفظ القرآن و حسب ؟!
حافظ القرآن يا إخوة ، ينبغي أن
يتميز عن غيره ، ينبغي أن يعرف بطهارة لسانه من الغيبة و من البذاءة ، و
بنقاء قلبه ، و بسمو خلقه في تعامله مع الناس ، و باهتمامه بإخوانه
المسلمين . يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ينبغي لحامل القرآن
أن ف بليله إذ الناس نائمون ، و بنهاره إذ الناس مفطرون ، و بحزنه إذ الناس
فرحون ، و ببكائه إذ الناس يضحكون ، و بصمته إذ الناس يخلطون ، و بخشوعه
إذ الناس يختالون ، و ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما
سكيتا ، و لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا و لا غافلا و لا صخابا و
لا صياحا و لا حديدا – أي فيه حدة و هي الغضب - . و قال الفضيل : حامل
القرآن حامل راية الإسلام ، لا ينبغي أن يلغو مع من يلغو ، و لا يسهو مع من
يسهو ، و لا يلهو مع من يلهو ، تعظيما لله تعالى .
لنعقد الآن
مقارنة بيننا و بين الصحابة – رضي الله عنهم – لنر كيف كان فقههم في
التعامل مع القرآن ، و كيف تعاملنا نحن معه . قال ابن مسعود – رضي الله عنه
- : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن و العمل
بهن . و قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم
كانوا يستقرئون من النبي – صلى الله عليه و سلم - ، فكانوا إذا تعلموا عشر
آيات لم يخلفوها يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن و العمل جميعا .
و عن جندب بن عبد الله قال : كنا مع النبي – صلى الله عليه و سلم – و نحن
فتيان حزاورة ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن
فازددنا به إيمانا . و قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - : لقد عشنا
برهة من الدهر ، و إن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، و تنزل السورة
فنتعلم حلالها و حرامها و زواجرها و أوامرها و ما يجب أن نقف عنده منها . و
لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب
إلى خاتمته لا يدري ما آمره و لا زاجره و ما ينبغي أن يقف عنده منه ، ينثره
نثر الدقل .
كان الصحابة يتعاملون مع القرآن على أنه منهج حياة ،
وعوا هذه القضية الجوهرية و عملوا بمقتضاها ، فقهوا بأن القرآن للعمل به و
ليس لحفظه فقط !! ، فلم يحفظه منهم إلا القليل . أما نحن ، فكيف تعاملنا مع
القرآن ؟ نحن نقضي أوقاتا طويلة في تعلم أحكام التجويد ، و أنا لا أرى أن
الأمر يحتاج كل هذا الوقت و كل هذه الدورات ، فالأمر ليس معقدا إلى هذه
الدرجة ، و الأمر لا يحتاج إلى هذا التنطع الذي نراه عند البعض في القراءة .
ثم نحن نعنى بعد ذلك – أو قبل ذلك أحيانا – بحفظه ، و لكن .. أين حرصنا
على فهمه و تدبره ؟ أين حرصنا على العمل به و التخلق بأخلاقه ؟، أنا لا
أقول بألا نحفظ القرآن ، و لكن أن نحفظه و نعمل به نور على نور ، ثم إننا
محاسبون على العمل به ، و لسنا مكلفين جميعا بحفظه . يقول أستاذنا د. مصطفى
السباعي – يرحمه الله - : لو عمل المسلمون بآداب قرآنهم للفتوا الأنظار
إلى روعته أكثر من ألف جمعية و ألف كتاب و ألف خطاب . و يقول أيضا : لم يكن
عدد المصاحف عند المسلمين في القرن الأول من الهجرة يبلغ عشر معشار عددها
عندهم اليوم ، و هي الآن لا يتلى منها عشر معشار ما كان يتلى حينذاك ، و ما
يتلى بتفهم و تدبر لا يبلغ عشر معشار وا يتلى بغير تفهم و تدبر . فلا
تعجبن إذا لم يفعل القرآن في نفوس المسلمين في الحاضر عشر معشار ما كان
يفعله في نفوسهم في الماضي !!! .
إذن ، فالواجب علينا أن نحرص على تهذيب أخلاقنا كما نحرص على حفظ كتاب الله عز و جل .
أعلمتم الآن الفرق بيننا و بين الصحابة ، ذلك الجيل القرآني الفريد ؟ !! .
اللهم
حسن بالقرآن أخلاقنا ، و نور به قلوبنا ، واجعله في الآخرة ذخرنا ، واجعله
لنا شافعا معينا ... اللهم آمين ، والحمد لله رب العالمين .