السلام عليكم
( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ( 73 ) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 74 ) ) .
وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يُسَاقُونَ عَلَى النَّجَائِبِ وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ ) زُمَرًا ) أَيْ : جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ : الْمُقَرَّبُونَ ، ثُمَّ الْأَبْرَارُ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُمْ : الْأَنْبِيَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضَرَابِهِمْ ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا .
( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) أَيْ : وَصَلُوا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَاقْتُصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الصُّوَرِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا انْتَهَوْا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ تَشَاوَرُوا فِيمَنْ يَسْتَأْذِنُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ ، فَيَقْصِدُونَ ، آدَمَ ، ثُمَّ نُوحًا ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ مُوسَى ، ثُمَّ عِيسَى ، ثُمَّ مُحَمَّدًا ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، كَمَا فَعَلُوا فِي الْعَرَصَاتِ عِنْدَ اسْتِشْفَاعِهِمْ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، لِيَظْهَرَ شَرَفُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ " وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : " وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ " . .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ [ ص: 120 ] عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ : مُحَمَّدٌ . قَالَ : يَقُولُ : بِكَ أُمِرْتُ أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ " .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ - وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيُّ - عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، بِهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا . آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ . لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ " .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ ، هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا ، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " . فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ : فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ " . ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ . فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " .
أَخْرَجَاهُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ - فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ - الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَرِفَاعَةَ بْنِ عَرَابَةَ [ ص: 121 ] الْجُهَنِيِّ ، وَأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ .
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا - أَوْ : سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " . .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : وَعَدَنِي رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا ، وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ ، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - " .
وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ [ وَ ] أَبِي الْيَمَانِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ : " ثُمَّ يُشَفَّعُ كُلُّ أَلْفٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا " .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ ، عَنْ ثَوْبَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيِّ ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ .
وَقَوْلُهُ : ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) لَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ هَاهُنَا ، وَتَقْدِيرُهُ : حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ لَهُمْ إِكْرَامًا وَتَعْظِيمًا ، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْخَزَنَةُ بِالْبِشَارَةِ وَالسَّلَامِ وَالثَّنَاءِ ، لَا كَمَا تَلْقَى الزَّبَانِيَةُ الْكَفَرَةَ بِالتَّثْرِيبِ وَالتَّأْنِيبِ ، فَتَقْدِيرُهُ : إِذَا كَانَ هَذَا سَعِدُوا وَطَابُوا ، وَسُرُّوا وَفَرِحُوا ، بِقَدْرِ كُلِّ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ نَعِيمٌ . وَإِذَا حُذِفَ الْجَوَابُ هَاهُنَا ذَهَبَ الذِّهْنُ كُلَّ مَذْهَبٍ فِي الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ .
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ " الْوَاوَ " فِي قَوْلِهِ : ( وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) وَاوُ الثَّمَانِيَةِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ ، فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ وَأَغْرَقَ فِي النَّزْعِ . وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ كَوْنُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ ، فَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ ، وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا [ ص: 122 ] عَلَى أَحَدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ دُعِيَ ، مِنْ أَيِّهَا دُعِيَ ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، بِنَحْوِهِ .
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، بَابٌ مِنْهَا يُسَمَّى الرَّيَّانُ ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ " .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيَبْلُغُ - أَوْ : فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ - ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " . .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " .
ذِكْرُ سَعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ - نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا - :
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ : " فَيَقُولُ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ ، أَدْخِلْ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ .
مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِي الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ . وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ - مَا بَيْنَ عِضَادَتَيِ الْبَابِ - لَكُمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ - أَوْ هَجَرٍ وَمَكَّةَ " . وَفِي رِوَايَةٍ : " مَكَّةَ وَبُصْرَى " .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً فَقَالَ فِيهَا : " وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ ، مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ " .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً " .
وَقَوْلُهُ : ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ ) أَيْ : طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ وَأَقْوَالُكُمْ ، وَطَابَ سَعْيُكُمْ فَطَابَ جَزَاؤُكُمْ ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ : " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ : " مُؤْمِنَةٌ " . .
[ ص: 123 ]
وَقَوْلُهُ : ( فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) أَيْ : مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا ، لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا .
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) أَيْ : يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ إِذَا عَايَنُوا فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ الثَّوَابَ الْوَافِرَ ، وَالْعَطَاءَ الْعَظِيمَ ، وَالنَّعِيمَ الْمُقِيمَ ، وَالْمُلْكَ الْكَبِيرَ ، يَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) أَيِ : الَّذِي كَانَ وَعَدَنَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ الْكِرَامِ ، كَمَا دَعَوْا فِي الدُّنْيَا : ( رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 194 ] ، ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) [ الْأَعْرَافِ : 43 ] ، ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) [ فَاطِرٍ : 35 ، 34 ] .
وَقَوْلُهُمْ : ( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَأَبُو صَالِحٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَابْنُ زَيْدٍ : أَيْ أَرْضِ الْجَنَّةِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 105 ] ، وَلِهَذَا قَالُوا : ( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) أَيْ : أَيْنَ شِئْنَا حَلَلْنَا ، فَنِعْمَ الْأَجْرُ أَجْرُنَا عَلَى عَمَلِنَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ " .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ ابْنَ صَائِدٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " صَدَقَ " .
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، بِهِ .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ أَيْضًا ] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ; أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : " دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ " .
وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) ، قَالَ : سِيقُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَوَجَدُوا عِنْدَهَا شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا ، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ [ ص: 124 ] النَّعِيمِ ، فَلَمْ تُغَيَّرْ أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَمْ تُشْعَّثْ أَشْعَارُهُمْ أَبَدًا بَعْدَهَا ، كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا ، فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَأَذْهَبَتْ مَا كَانَ فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى أَوْ قَذًى ، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ : ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) . وَيَلْقَى كُلُّ غِلْمَانٍ صَاحِبَهُمْ يَطِيفُونَ بِهِ ، فِعْلَ الْوِلْدَانِ بِالْحَمِيمِ جَاءَ مِنَ الْغَيْبَةِ : أَبْشِرْ ، قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا ، قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ : وَيَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ غِلْمَانِهِ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَيَقُولُ : هَذَا فُلَانٌ - بِاسْمِهِ فِي الدُّنْيَا - فَيَقُلْنَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ . فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى أَسْكُفَّةِ الْبَابِ . قَالَ : فَيَجِيءُ فَإِذَا هُوَ بِنَمَارِقَ مَصْفُوفَةٍ ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ ، وَزَرَابِيِ مَبْثُوثَةٍ . قَالَ : ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَسَّسَ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ ، بَيْنَ أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَصْفَرَ [ وَأَبْيَضَ ] ، وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ . ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَهُ إِلَى سَقْفِهِ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لَهُ ، لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ ، إِنَّهُ لَمِثْلُ الْبَرْقِ . ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، ثُمَّ يَتَّكِئُ عَلَى أَرِيكَةٍ مِنْ أَرَائِكِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 43 ] الْآيَةَ .
ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا ، أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَجْلِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ : إِنَّ عَلِيَّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " وَالَّذِي نَفْسِي ، بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يُسْتَقْبَلُونَ - أَوْ : يُؤْتَوْنَ - بِنُوقٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ ، وَعَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مِنْ أَصِلِهَا عَيْنَانِ ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَيُغْسَلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ دَنَسٍ ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى ، فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ ، فَيَنْتَهُونَ - أَوْ : فَيَأْتُونَ - بَابَ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفِيحَةِ ، فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ ، فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا فَيَفْتَحُ لَهُ ، فَإِذَا رَآهُ خَرَّ لَهُ - قَالَ مَسْلَمَةُ : أَرَاهُ قَالَ : سَاجِدًا - فَيَقُولُ : ارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَإِنَّمَا أَنَا قَيِّمُكَ ، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ . فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ ، فَتَسْتَخِفُّ الْحَوْرَاءُ الْعَجَلَةُ ، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ حَتَّى تَعْتَنِقَهُ ، ثُمَّ تَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي ، وَأَنَا حِبُّكَ ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأُسُ ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ الَّتِي لَا أَظْعَنُ " . فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ ، بِنَاؤُهُ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ ، طَرَائِقُ أَصْفَرُ وَأَخْضَرُ وَأَحْمَرُ ، لَيْسَ فِيهَا طَرِيقٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا ، فِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشِيَّةً ، عَلَى كُلِّ حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً ، يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ بَاطِنِ الْحُلَلِ ، يَقْضِي جِمَاعَهَا فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ . الْأَنْهَارُ [ ص: 125 ] مِنْ تَحْتِهِمْ تَطَّرِدُ ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ - قَالَ : صَافٍ ، لَا كَدَرَ فِيهِ - وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ - قَالَ : لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ - وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ - قَالَ : لَمْ تَعْصِرْهَا الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهِمْ - وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى - قَالَ : لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ . يَسْتَجْنِي الثِّمَارَ ، فَإِنْ شَاءَ قَائِمًا ، وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا ، وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا - ثُمَّ تَلَا ( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ) [ الْإِنْسَانِ : 14 ] - فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ - قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَ : أَخْضَرُ . قَالَ : - فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا ، فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا ، أَيَّ الْأَلْوَانِ شَاءَ ، ثُمَّ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ ، فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَلَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعْرِ الْحَوْرَاءِ وَقَعَتْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ، لَأَضَاءَتِ الشَّمْسُ مَعَهَا سَوَادًا فِي نُورٍ " .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
السلام عليكم